لودريان وجولة المياه الباردة على الرؤوس الحامية... (ميشال ن. أبو نجم)

منذ 10 شهر 3 أسبوع 6 يوم 17 س 19 د 28 ث / الكاتب Zainab Chouman

لم يسبق للبنان أن ظهر فيه إلى العلن هذا الحجم من التسابق على أعتاب الخارج، وهذا المستوى من الوقاحة في احتقار اللبنانيين. وموجب استعمال فعل "ظهرَ" هنا، في أنَّ تاريخ لبنان يحفل بسجلٍ هائل ومعروف من التسول أمام القوى الخارجية والإنبطاح أمامها، لنيل فتاتِ سلطة، فكيف اليوم ونحن في عصر "ما بعد الحقيقة"، و"الأخبار الكاذبة" وبث الشائعات وتحويل العمل الإعلامي إلى منصة للنجومية بعباراتِ تخويف اللبنانيين والرعب والإثارة.
ولا يشذ عن هذه القاعدة، استمرار خطاب إنكار الوقائع، والتعالي، للقوى السياسية المعتمدة منطقَ فرضِ رئيسٍ للجمهورية، وكأنما بات المطلوب رفع السقوف لتبرير الإنسحاب لاحقاً من "طبخة" سليمان فرنجية.
واستطراداً للمنطق "الإنتصاري" المجوف الذي ساد بعد 14 حزيران، وللمنطق الإنكاري، يستمر فريق الفرض بتسويق سرديات وروايات عن اقتراب مراسم "تتويج" فرنجية قريباً، بأسلوبٍ قصصي لا ينطلي حتى على أطفال اليوم.

في الوقائع، الجميع يعلم أن جولة جان إيف لودريان، تأتي نتيجة لانعطافة واسعة في الموقف الفرنسي السابق المرتبط بمنح الثنائية الشيعية "شكاً على بياض" بالتصرف برئاسة الجمهورية عبر فرض فرنجية. والإنعطافة هذه، لم تأتِ من دون غطاء فاتيكاني واضح وإصرار على الوقوف عند رأي الغالبية العظمى من المسيحيين المتوجسين من محاولة وضع اليد على الرئاسة.
لكن حتى الآن، هناك من لا يزال يرفض التصديق أن "حكاية" رئاسة الجمهورية بصيغة الفرض، وخاصة بحياكتها الفرنسية السابقة، قد وصلت إلى نهاياتها. والفضل هنا، لا لتحولات الخارج فحسب، بل للقدرة الداخلية على صياغة "تقاطع" عريض لم يُسقط ذرائع الفرض فحسب، بل كشف الأقنعة عن الرهانات الحقيقية باستباحةٍ للسلطة التنفيذية.

وهذا السجل بالوقائع التي أدت إلى هذا الإنسداد، ليست غافلة عن جان إيف لودريان الذي خبرَ قوى منظومة التسعينات وإصرارها على التهرب من الإصلاحات، إلى درجة أنها أعادت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخُفيّ حنين على أثر مؤتمر قصر الصنوبر عام 2020 الذي قرّع فيه الزعماء اللبنانيين من دون أن يرف لهم جفن. ولذلك، عدا عن ترجمة التغير الفرنسي بالحوار والإستماع والتخلي عن منطق الإستدعاء إلى باريس وإبلاغ التعليمات، سيحمل معه لودريان الكثير من "سطول" المياه الباردة لرميها على الرؤوس الحامية التي حولت تفوق جهاد أزعور إلى نصرٍ مزعوم، لا لشيء إلا لأن فرنجية تجاوز عتبة الخمسين صوتاً. وربما هذه من الظواهر الغريبة التي ستُضاف إلى سلوك النعامة وإنكار الوقائع التي سبق وأذهلت المسؤولين الفرنسيين في الأعوام الأخيرة من حجم استخفاف المنظومة بواقع الأزمة.

وما يعزز واقعية لودريان في استماعه وفي اقتراحاته لاحقاً، هو العين الأميركية التي باتت أكثر اتساعاً على أداء رئيس مجلس النواب نبيه بري بالذات، والتي تدخلت لتفرمل الإندفاعة الفرنسية في إنجاز التفاهمات مع الثنائية الشيعية واقتسام المصالح، ملوحة بسيف العقوبات على أقرب المقربين. وقد ثبت للقاصي والداني أن هذا الإستخفاف الدائم والمستمر لمنظومة التسعينات – والآن لشق الثنائية الشيعية منها – بالدور المسيحي الذاتي وغير الملحق، أدى إلى نتيجة عكسية ورفضية أطاحت بالأحلام والأوهام.

وعلى هذه الوقائع، يحط لودريان في الرمال اللبنانية المتحركة، سعياً إلى الحفاظ على دور بلاده في شكلٍ أكثر واقعية واقتراباً من النجاح.
المهم، أن النتيجة ستكون أكثر اقتراباً من الميثاقية اللبنانية، ومن احترام التوازنات السياسية والتمثيلية، والتي كرّست نفسها بهامش واسع من التحرك والمبادرة اللذين ميزا خاصة سلوك التيار الوطني الحر ورئيسه...